بالصور - الفنان حسين رياض فى محفل ماسونى - هل هناك فنانين من مصر كانوا اعضاء فى المحفل الماسونى المصرى؟



بالصور - الفنان حسين رياض فى محفل ماسونى 

هل هناك فنانين من مصر كانوا اعضاء فى المحفل الماسونى المصرى؟


بحث تم نقله من موقع فرسان الحق




لم يمنع إهمال الدولة في مصر للماسونية من الاستمرار فى ممارسة نشاطها بعد قيام الثورة المصرية في يوليو 1952، خاصة وقد ساد بين الماسون خوف وريبة من النظام الحاكم الجديد، فآثر بعضهم الهرب خارج البلاد والبعض الآخر امتنعوا عن ممارسة نشاطهم الماسوني.

واستمرت بعض المحافل في ممارسة نشاطها، خاصة تلك التى كانت تحوى الأعضاء اليونانيين، فالحكم المصري الجديد لم يرد أن يمس الجالية اليونانية الماسونية أو غير الماسونية بأى سوء، نظرا لاحتياج الدولة المصرية لهم في أعمال الملاحة فى القناة وخبرتهم في ذلك المضمار.

ولم يمنع ذلك الحذر المتبادل بين المحافل الماسونية والدولة المصرية والذى بدأ منذ قيام حرب فلسطين 1948 أن يقوم أرباب الفن المصريين بإنشاء محفل سمى محفل (الفنان) يرجع البعض تاريخ إنشائه إلى ما قبل حرب فلسطين بعام واحد أى عام1947، وقد ضم هذا المحفل الكثير من أهل الفن فى مصر مثل "عبد العزيز حمدى– يوسف وهبى – محسن سرحان – حسين رياض – محمود المليجى– حلمى رفلة– عيسى أحمد – فؤاد شفيق – يعقوب الأطرش – كمال الشناوى – سراج منير– زكى طليمات – أنور وجدى". ورجح "شلش" أنه كان نوعا من المظهر الاستعراضي دون جدية.

وقد سُمِحَ لبعض الصحفيين الدخول إلى قاعة ذلك المحفل في عام 1953، حيث نشروا الخبر مدعما بالصور في مجلة الفن تحت عنوان: "الفن تتسرب إلى القاعات السرية بالمحفل الماسونى، تثبيت يوسف وهبى رئيسا لمحفل الفنان المصرى وتكريس محسن سرحان!".

وجاء الخبر على النحو التالى:
"لأول مرة في تاريخ الماسونية تتسرب الصحافة إلى القاعات السرية.. وتشاهد بعض الطقوس الغامضة من تقاليد هذه الجمعية العريقة.. كان ذلك فى مساء الثلاثاء الماضى.. وقد حفلت الدار الماسونية بجمهور كبير من الفنانين الماسون، ونذكر منهم يوسف وهبى ومحسن سرحان وفريد شوقى وأحمد كامل مرسى ومحمود المليجى وفؤاد شفيق وعبد السلام النابلسى وحلمى رفلة وحسين رياض ومحمود فريد وعيسى أحمد وعلى رشدى وأحمد سعيد وغيرهم كثيرين...، واستدعى الإخوان الماسون لدخول إحدى القاعات السرية، ومنع الأغراب بما في ذلك الصحفيين من الدخول..

وطال غياب الإخوان، وعلمنا أن ذلك الغياب كان في مباشرة الطقوس المعتادة لتكريس محسن سرحان...، ومن فرجة فتحت قليلا شاهدنا محسن معصوب العينين، وقد وقف بين يوسف وهبى وعيسى أحمد، وكان كل منهما يرتدى الزى الرسمى للماسون شاهرا بيده سيفا من الخشب حلق به على رأس محسن سرحان !
وأغلقت الفرجة.. وانقطع كل اتصال بيننا وبين ما يجرى في الداخل.. وطالت الجلسة، وعلمنا أن الغياب في هذه المرة كان بسبب طقوس تكريس يوسف وهبى رئيسا لمحفل الفنان المصرى..

وبعد أن انتهت تلك الطقوس تقدم اقتراح بالتقاط صورة تذكارية داخل الهيكل السرى.. ولكن بعض الأخوان عارضوا في هذه الفكرة. وأبدى اقتراح بتعصيب المصورين أثناء التقاط الصور (!) ولكن المصورين احتجوا باستحالة التصوير في هذه الحالة، وبعد أخذ ورد وافق المتزمتون على التقاط الصور التذكارية.

ودخلنا الهيكل السرى وقد أحاط بكل واحد منا عدد من الأخوان.. وحرم علينا التلفت يمنة أو يسرة! وفى هذا الجو التقطت بعض الصور التذكارية.. وقبل أن تمضى خمس دقائق صدرت الأوامر بإخراجنا من القاعة.. بل ومن الردهة.. فخرجنا مستسلمين! ولم تطل الجلسة بعد ذلك كثيرا..

فقد خرج الإخوان إلى بوفيه أنيق حيث تناولوا السحور وانضم إليهم بعض الفنانين والضيوف، نذكر منهم السيدتين فردوس حسن ودرية أحمد.. وبعد ذلك انتقل الفنانين إلى حفلة السمر.. فاستمعنا إلى منولوجات فكاهية..

وبعد أن انتهى الاحتفال سألنا محسن سرحان عن الإجراءات التى اتخذت معه في حفلة التكريس فهز رأسه ضاحكا وقال:
- أنا معرفش حاجة..
- وكانوا (مغميينك) ليه ؟
- إسأل يوسف وهبى !
- هل الماسونية هيئة دينية.
- لأ.
- أمال ليه بيقولوا (بسم مهندس الكون الأعظم) ؟
- زى ما المسلمين بيقولوا (بسم الله) والمسيحيين (بسم الأب والابن)!
- تبأه جمعية دينية لأن لها (بسملة) ؟!
- لا.. لا.. أنا ما اعرفش.. إسأل أخ أقدم منى.. أنا لسه جديد !
ورفض محسن بعد ذلك أن يجيب على أى سؤال آخر..".

ومن الواضح أن الماسون حتى تلك الفترة قد بقوا على تقاليدهم، والفنان كفرد له مكانة اجتماعية استطاعت الماسونية جذبه إلى صفوفها، كما يتضح من مجريات الحديث بين الصحفى والفنان "محسن سرحان" أن التكتم ظل أهم صفات الماسونى،

كما يتضح من الصور التي التقطت في المحفل أن بعضهم التحق من أجل إضفاء الوجاهة على نفسه، ومن منهم كان يفهم تقاليد وطقوس الماسونية بشكل جدى، فالصورة كأى وثيقة تاريخية يمكن أن تعبر وتعطي دلالات تساعد أى من الباحثين على فهم حادثة تاريخية بشكل أو بآخر.

ومن الواضح أن حالة التجهم والضيق التى كانت واضحة على وجه البعض في الصور التى تم التقاطها لا تنم إلا عن عدم رضا البعض عن كشف أمرهم بتلك الصورة أمام اثنان من الصحفيين، مما يدل على أنهم ذلك الحزب المتعلق بالتقاليد الماسونية ومنهم الفنان "حسين رياض - محسن سرحان - يوسف وهبي - عبد العزيز حمدي"، والبعض الآخر حاول أن يظهر نفسه بشكل استعراضي مثل الفنان "عبد السلام النابلسي" الذي أمسك عصاه بحركة استعراضية، 


وكان الفريق الأخير لا يبالي بما يحدث فتوزعت الابتسامات على وجوههم.
وفى محاولة لتتبع أخبار ذلك المحفل تم عمل مسح للصحف الفنية والعامة بعد تاريخ هذا الخبر الذي نشر في "مجلة الفن"، فلم نجد له أى أثر، ومن الواضح أن المحفل قد أخذ حذره بعد ذلك فانتقل إلى طور سرى أو أغلق بفعل ضغط الحكومة، أو هم آثروا أن ينسحبوا من الماسونية حتى لا يفقدوا مجدهم الفني الذي وصلوا إليه آنذاك، خاصة أن اتجاه الكثير من الحكومات العربية إلى إلغاء الماسونية كان يتزايد.


ولقد حاول "عبد الله سمك" الاتصال بمن بقى من هؤلاء الفنانين على قيد الحياة حتى يتأكد من صدق نوايا الفنان المصرى، ونظرا لأن معظم هؤلاء المذكورين قد رحلوا عن دنيانا، فإن من بقى منهم حتى وقت الاتصال كان الفنان "محسن سرحان"، والفنان "كمال الشناوى"، وتعذر الاتصال بكمال الشناوى لانشغاله في عمل فنى، ولكنه تمكن من الاتصال بمحسن سرحان فى 23 ديسمبر سنة 1986 وأجرى معه الحديث التالي:

- الأستاذ محسن سرحان، ما حقيقة انتسابك للماسونية ؟
- ماسونية ! لا توجد ماسونية الآن.
- قرأت أنك وزملاءك الفنان حسين رياض والفنان كمال الشناوى وآخرين كنتم منتسبين إليها.
- هذا غير صحيح إطلاقا، وكما تعرف عمل الصحافة والإعلام في ترويج الشائعات، أقول لك عن نفسى وجميع إخواني وزملائى بأن أى واحد منا لم ينتسب أبدا إلى الماسونية، بل ولا غيرها من أى جماعات أو منظمات دينية أو غير دينية.. نحن فنانون والفنان ملك للشعب كله، لا أنا ولا كمال الشناوى ولا أحد منا دخل الماسونية إطلاقا يا أفندم.
- أشكرك، فقد أردت أن أتعرف على الحقيقة من مصدرها وآسف للإزعاج.
- لا.. أنا أشكر لك هذا.

وحاول "عبد الله سمك" استنتاج بعض الاحتمالات من المكالمة، فقد تكون الماسونية قد استغلت الفنانين لكسب مؤيدين لها، أو أن يكون هؤلاء المذكورين ماسون بالفعل إما خداعا وإما جهلا بحقيقتها وإما إشباعا لرغبة معينة.

كما أن "يوسف وهبى" لم يذكر في مذكراته أية إشارة للمحفل الماسوني الذى انضم إليه، فقد تجنب ذكر علاقته بالماسونية من قريب أو بعيد، ومن الواضح أنه آثر تجنب تأكيد تلك العلاقة فى مذكراته الشخصية.
من الجائز أن الفنان المصرى أخذ بالماسونية لإضفائها نوعا من الوجاهة الاجتماعية، رغم أن الماسونية وصمت بالتعامل مع الصهيونية بعد حرب 1948،

ومن الطبيعي أن يبتعد عنها الفنان المصرى كما ابتعد عنها كثير من المصريين، خاصة أن الفنان المصرى كان يتسم بوعى سياسى واجتماعى، كما كان مشاركا في عرض كافة القضايا السياسية والاجتماعية محاولة منه لإصلاح الحالة المتردية للمجتمع المصرى فى الفترة من 1947 وحتى منتصف الستينيات.
لقد كان الفنان المصرى مشغولا دائما بالقضايا السياسية التي تهتم بها كافة القوى الوطنية في مصر،

حتى الوافدين على مصر وفدوا إليها على وعى كامل بالدور الذى سيقومون به سياسيا، وكان من بينهم الكثير من الماسون الشوام، والسبب في ذلك الإدراك السياسي بالتحديد للأيديولوچيا التي استوعبها الوافد مع رفاقه فى جمعيات الشام قبل حضوره إلى مصر، مثل "إسكندر فرح" الذي كان يملك جوق مسرحي بمصر فى بداية القرن العشرين وغيره من الشوام الوافدين الذين استقروا في مصر ليشكلوا ضلعا اجتماعيا هاما دعم الثقافة المصرية بالكثير من العناصر الهامة.


واهتمت الماسونية فى مصر بالعرض المسرحى مثلها مثل الجمعيات السورية والنمساوية والإسرائيلية والإيطالية التي كانت تتخذ من الفن وسيلة لعقد الاجتماعات وممارسة النشاط السياسى. ولقد كان الفنان المصرى يتسم دائما بروح وطنية متأججة، فيذكر "يوسف وهبى" في مذكراته "أنه حين عرضت مسرحية (الاستعباد) التي قدمتها فرقة "يوسف وهبى المسرحية"، وكانت المسرحية تفيض بالمواقف الوطنية،

سمع الجمهور في نهاية المسرحية عبارة (فليسقط الاستعمار)، وكان الوطن إذاك يرزح تحت نير الاستعمار حتى اشتعلت الحماسة بهم، وانطلقت الحناجر تردد: يسقط الاستعمار وكأنه بركان تفجر، وظل الجمهور يهتف لمدة نصف ساعة بعد نهاية العرض، ورُفع الستار ثلاثين مرة للتحية".


وكان الفنان "زكى طليمات" من الماسون المصريين الذين كانت لهم أعمال روائية في السينما والمسرح تشارك الشعب المصري في مشاعره الوطنية، فقد قام بدور الجاسوس اليهودى الداهية الذى يحاول أن يوقع بين العرب في فيلم "مغامرات عنتر وعبلة" في عام 1948، كما قام بدور الزعيم الوطنى المناضل رغم أنه من العسكريين، وكأنه يجسد شخصية قائد حركة الجيش في يوليو 1952 اللواء "محمد نجيب" في فيلم "الله معنا" في عام 1955 من إخراج "أحمد بدرخان".

وكان للفنان "عبد السلام النابلسى" عملا وطنيا من أهم الأعمال الروائية التي جسدت واقع حرب 1948، وكانت محاولة من مؤلفيه "على الزرقانى وحلمى حليم" لإظهار حقيقة تلك الحرب في فيلم "أرض السلام" مع الفنان "عمر الشريف" من إخراج "كمال الشيخ"، والفنان "محمود المليجى" فى فيلم "سمراء سيناء" من إخراج "نيازى مصطفى".


لقد كان للماسون المصريين من الفنانين العديد من الأدوار الفنية التي تشارك وجدان المصريين ومشاعرهم الوطنية، فلم تكن شخصيتهم الماسونية منعكسة على أعمالهم من قريب أو بعيد، وهذا ما يؤكد أن مشاركتهم في الماسونية جاء لإضفاء قيمة اجتماعية تخيل أنه سيكتسبها من خلال انضمامه للماسونية.


ومن الواضح بعد الإطلاع على صور المحفل ومعرفة أعضائه، ومن خلال الحديث الذي دار بين "محسن سرحان" والصحافة وبينه وبين "عبد الله سمك" أن الماسونية جذبت إليها شريحة اجتماعية جديدة، كما جذبت الشرائح الاجتماعية الأخرى، ومهما كانت الأسباب التي جعلت الفنان المصري ينضم إلى الماسونية ويمارس أعمالها إلا أنها لم تفقده قيمته الفنية، وإن كانت الماسونية قد كسبت الماسونية بالتأكيد من خلال انضمام تلك الشريحة الاجتماعية إليها.